السقلدي يدعو إلى تسوية سياسية شاملة لوقف الانقسام وإنقاذ اليمن

يمنات – خاص
وجه الكاتب والصحفي صلاح السقلدي، دعوة لكل القوى في شمال اليمن وجنوبه إلى التوجه نحو طاولة تسوية سياسية شاملة كأقصر الطرق لوقف الانقسام المتزايد في البلاد، محذرًا من خطورة ما وصفه بـ”عملية التلغيم” التي تتسارع في الجنوب والشمال عبر تشكيل كيانات سياسية ومعاهد دينية وأحلاف قبلية ومليشيات متناحرة، إلى جانب تصاعد خطاب الكراهية والتطرف.
بطالة وجهل وتطرف
وأوضح السقلدي، في مقال نشرته صحيفة “رأي اليوم” الالكترونية، أن الجنوب يعيش واقعًا صعبًا منذ حرب 1994م، نتج عنه بطالة وجهل وتطرف، داعيًا إلى تسوية سياسية تضمن الحد الأدنى من التوافق وتحفظ كرامة المواطنين وحقوقهم، وتعيد للدولة مؤسساتها وحضورها.
وأشار إلى أن الشمال يواجه خطرًا مماثلًا، حيث تتشكل أجيال جديدة مشبعة بالأفكار الأيديولوجية المنغلقة، ما يهدد مستقبل القوى السياسية التقليدية، مطالبًا الجميع بالاحتكام للعقل والانفتاح على الآخر، وترك المكابرة والمغامرة، تجنبًا لمزيد من الانهيار والتمزق.
ضمانة حقيقية
وأكد السقلدي أن المصالحة الوطنية والتسوية السياسية هما الضمانة الحقيقية لاستقرار اليمن وحماية أجياله القادمة من التشرذم والتدخلات الخارجية.
نص المقال
دعوة لكل القوى في اليمن شمالاً وجنوباً: عودوا لعقلكم
صلاح السقلدي
التوجه إلى طاولة التسوية السياسية الشاملة هو أقصر الطُرق لتفادي مزيدٍ من الفُرقة والتمزق، ووقف ما يجري من عملية التلغيم الخطيرة التي تتم في كل المناطق بالجنوب والشمال على قدمٍ وساق، وتستهدف الكل، بمن فيهم مَن يزرع الصاعق ويشعل الفتيل ويعتقد أنه سيكون بعيداً عن شظاياها. تلغيم يتم بوتيرة متسارعة من خلال إنشاء كيانات سياسية ومعاهد دينية خارج سياق الدولة، وتشكيل أحلاف قبلية ومليشيات عسكرية جهوية قبلية متناحرة، فضلاً عن تعاظم خطاب الكراهية والعصبية في كل منطقة شمالاً وجنوباً، وتنشئة جيلٍ مُجهَّلٍ مشبعٍ بثقافة العنصرية، مشحونٍ بأفكار إيديولوجية متطرفة مروعة، سواءً باسم الدين أو الطائفة والمذهب والحزب والجغرافيا والقبيلة.
ففي الجنوب، الذي تعرض لأوسع عملية تجهيل طالت معظم الشباب منذ ٩٤م، أُنتج معها جيشٌ من الجهل والبطالة والتطرف، وطغيان فكر مفخخات السيارات وتفخيخ العقول، يستعصي التعاطي والتفاهم معه أو ترويضه. ها هو الجنوب غارقٌ بهكذا واقعٍ موحش، لم يعد يقوى على المزيد في ظل وضع اللادولة وسيادة الفوضى وانغلاق أفق التسوية. وبالتالي، الحل يكمن في تسوية سياسية للقضية الجنوبية والمسائل الاجتماعية والاقتصادية وسائر الملفات، تسويةٍ متفقٍ عليها ولو بالحد الأدنى من التوافق. والدعوة هنا بالتحديد موصولةٌ للمجلس الانتقالي الجنوبي، المطالب بتحرير ربقته الوثيقة من التحالف السعودي والإماراتي، وفتح مزيدٍ من التوافق مع الجميع للوصول للغاية المرجوة بدعوتنا هذه: “التسوية الشاملة”.
وبصرف النظر عن طبيعة ومستوى تلك التسوية المفترضة، فهي على أقل تقدير سوف تبث الروح في جسد مؤسسات دولةٍ تعيش حالة مواتٍ واضحة، وتحفظ للجميع كرامتهم وشبابهم ومعيشتهم، وتصون لهم حقوقهم العامة، وتعيد توازنهم، وتنتصر لقضيتهم الوطنية “القضية الجنوبية”، والعملُ بعدها لإيجاد أرضية صلبة لتسويةٍ سياسيةٍ شاملةٍ تمتلك عامل الديمومة وروح العدالة.
وفي الشمال، الذي ترفض قواه الحزبية والسياسية أي تسويةٍ سياسية إلا وفق منظورها الأناني، يتشكل هناك في مناطق سيطرة الحركة الحوثية جيلٌ إيديولوجيٌّ انغلاقيٌّ يدين بالولاء لتلك الحركة، ويتم تعبئته فكرياً وسياسياً ضد قوى ومناطق بعينها تعبئةً متحيزة. فالذين اندلعت الحرب عام ٢٠١٥م وهم أطفالٌ في الشمال، صاروا اليوم بالغين راشدين، وعلى أكتافهم البنادق، وبعد سنواتٍ قليلة سيخلفون جيلاً آخر بذات الفكر وبنفس التوجه.
وبالتالي، سيجد حزب الإصلاح والمؤتمر أنفسهم بعد كم سنة غرباء دخلاء معزولين عن المجتمع هناك، ولن تجديهما نفعاً سياسةُ الاستقواء بالخارج، وبحماقة الاحتماء خلف جماعاتٍ متطرفةٍ وبثِّ ثقافة التحريض الطائفي، ظناً منهما أنه يصلح أن يكون حصان طروادة صنعاني.
وحتى الحركة الحوثية، برغم سيطرتها على معظم الأرض شمالاً، إلا إن إطالة الحرب وبقاء الوضع دون تسويةٍ سياسية ودون مصالحةٍ مع الآخرين، ستجعلها مكروهةً باضطراد، حين تطيل من قبضتها وكتم أنفاس الناس، وعزلهم عن المحيط الإقليمي، وتتزايد بوجهها الضغوطات الغربية والأمريكية والصهيونية، وتقف وحيدةً دون سندٍ ولا ظهرٍ من القوى اليمنية الأخرى. وسينتهي بها الحال في النهاية إلى الانهيار، حتى وإن تسلحت بدعمٍ ورضاءٍ شعبي داخلي وعربي، فالمصالحة الوطنية مع الآخر اليمني ومع المحيط العربي تظل هي الضمانة الأوثق.
ولهذا، لا سبيل للجميع شمالاً وجنوباً غير الاحتكام للعقل والاسترشاد بالضمير، وترك المكابرة والمغامرة، والتوجه عوضاً عن ذلك صوب طاولة التسوية السياسية، وتصفير عداد العداوات، والانفتاح على الآخر.
قد يقول أحدهم إن الكلمة الفصل والقرار خارجياً بيد الإقليم والغرب، وبأن القوى المحلية ليست أكثر من أدواتٍ ورجع صدى للغير. نعم، إلى حدٍ كبير، ولكن لا أحد بمقدوره أن يفرض كلياً على أحدٍ وضعاً ومستقبلاً مغايراً لمصالحه رغم أنفه، إلا بقدر تماهيه معه واذعانه له…!
فلن يتمكن أحدٌ من امتطاء ظهرك إلا بقدر انحنائِك له.
بالمجمل، هذه دعوةٌ مُخلصة نوجهها للجميع بالجنوب والشمال، لطي صفحة الماضي الموحش بكل أوجاعه وآلامه، وحسم أمرهم صوب المستقبل، لتضميد الجراح ووقف النزيف، ورأفةً بأجيالنا القادمة، وقطع دابر التآمر الخارجي، والصهيوني بالذات، الذي يشحذ ساطوره لتمزيق الأرض والإنسان من الخليج حتى المحيط، وبلادنا ليست خارج حساباته التوسعية وشرر نيران فتنه وخططه التفكيكية الشيطانية.